من أين بدأت الكتابة؟ بسبب هذا التساؤل دارت محاورة شيّقة كنتُ طرفها الأول والثاني: السائل والمتلقّي، والمحاور، والمدقّق في الإجابات والمراوغ في الاعتراف. إجابةٌ، ثم سؤالٌ، ثم مجموعة أسئلة، إلى أن وصلت إلى نقلتي النوعية الأولى في سن السابعة. من بداية اليوم، أرى والدي يتأمل عنوان الصفحة الأولى من الصحيفة، مستهلًا بها قراءة باقي الصفحات. بعد لحظات، يمررها لأخي الأكبر الذي يسألني: ما هو عنوان مقال كاتبه المفضل لهذا اليوم؟ تكرار المشهد خلق فضولًا لدي تجاه هذا الروتين، وماذا يعني لهم. كسرت روتيني وتشجعت على قراءة الصحيفة، فانتقلت معها إلى عقول كثيرة، ومجالات شتّى، ومفردات مهولة بالنسبة لطفل صغير.
عبر السنين، تنقلت بين أكثر من محطة: من تأمل الصور، ثم القسم الرياضي، ووصلت إلى المقالات، ثم إلى الصحيفة بأكملها، محققًا حلم طفولتي برؤية اسمي على أحد أعمدة الصحيفة. واليوم يشاركني القُرّاء تعليقاتهم على ما أكتبه عبر النشرة البريدية. استشعرت النقلة النوعية الفارقة هذه وتأثيرها عليّ. فكيف تأثرت الصحف ودور النشر العالمية؟ هل هذا يعني اقتراب نهاية الصحف؟ وماذا عن قرّاء تلك الصحف؟ هل تنازلوا عن هذه العادة؟ أم تلاشت أعدادهم وأصبح ظهورهم نادرًا؟
على غرار تطور التقنيات وسرعة وتيرة التغيير، خُدشت العلاقة بين كثير من القراء والصحف الورقية؛ فتكلفتها العالية، وقلة قرّائها، والإعلانات شبه المعدومة فيها، ولا ننسى الورق المهول الذي يُطبع بأعداد جمّة كل يوم، والنقطة الأبرز أنها لا تُقارن بمواكبتها للأخبار مع النُسخ الرقمية، إذ تصدر الورقية فجر كل يوم مرة واحدة فقط. أظهرت الإحصاءات انخفاضًا عالميًا يُقدّر بنحو 20-30٪ في عدد قرّاء الصحف الورقية مقارنة بالعقد السابق.
نُشر مقال في مجلة "كولومبيا للصحافة" من جامعة كولومبيا في نيويورك بعنوان "النشرات البريدية كشريان حياة للصحافة المحلية"، يشير إلى أن أكثر من 50٪ من الأمريكيين الذين يقرأون الأخبار المحلية يعتمدون على وسائل رقمية مثل البريد الإلكتروني، ما يعكس جودتها وبساطة طرحها. ووفقًا للمجلة، فإن النشرات البريدية تسمح للصحفيين والكُتّاب بالتواصل الشخصي مع القراء، ما يعزز الثقة والولاء.
بعض الصحف الكبرى فقدت قراءها أو حولت نشاطها بالكامل إلى النسخة الرقمية لتلبية توجهات القراء. على سبيل المثال، صحيفة "أجندة شارلوت" الأمريكية جذبت الآلاف من المشتركين للنسخة الرقمية، بينما نشرة "ذا سكيم" العالمية، بتنوع صفحاتها ووفرة اهتماماتها وحسن جذبها للقارئ، تمكّنت من الوصول إلى ملايين القُرّاء حول العالم. ليست واحدة أو اثنتين، بل عشرات قصص النجاح في السلطة الرابعة.
واليوم، النشرات البريدية رفيقة يومي؛ بشكلها الجذاب، الملون، الممتع، ومتعدد الوسائط والمصادر. وهي البديل المعاصر للصحف الورقية. لتحسين جودة الحياة، أوصي بـ"نشرة أها" من ثمانية، ومن ثمانية النشرة السينمائية لأخبار الشاشة الكبيرة. وللإثراء العقلي، أنصح بـ"نشرة حين" من قُوثاما، أما لكتابة المحتوى وصقل القلم، فنشرة "زولية" من زولية.
للتربية الأولى أثرٌ تُبنى عليه عادات تُؤخذ بشكل غير واعٍ. والمحرك لهذه التجربة هو الفضول حول ما يشعر به الآخرون، وأكثر ما نشّط هذه التجربة هو رؤية شخص لديه عادة ملفتة للنظر. إن أردت الاستمرار في عادة حسنة، واكبها مع يومك واخلق أساليب جديدة للاستمرار عليها بدلًا من التذمر تجاه تغيّر شكلها. اجعلها لصالحك أنت ويسّرها لتكون في تفاصيل يومك. هذه فلسفتي للتطور، وأيضًا ما لاحظته مع كثير من الأشخاص في منصات التواصل الاجتماعي. حبهم للقراءة ورفعة مكانتها لديهم حفزهم لإبقائها في يومهم، وألا تنحصر على الكتب فقط. إذ يمكن الاشتراك في نشرة بريدية، أو قراءة التقرير السنوي لوزارة، أو رؤية مراجعة كتاب أعدها أحد الذين تتابعهم، أو تصفح موقع مجلة تثير اهتماماتهم.
تعليقات
إرسال تعليق